أعرف عدوك
صفحة 1 من اصل 1
أعرف عدوك
نشأة الصهيونية
الصهيونية غير اليهودية :
الصهيونية حركة غربية سياسية استعمارية نشأت في أوروبا تحت ستار ديني في القرن التاسع عشر استهدفت خلق كيان مفتعل في فلسطين العربية السورية. من شأنه أن يكون قاعدة متقدّمة للسيطرة على المناطق الاستراتيجية في الوطن العربي واستغلالها، ومنع أيّة محاولة وحدوية عربية من شأنها أن تقف في وجه المصالح الغربية.
منذ مطلع القرن السابع عشر حين أخذت الإمبراطورية البريطانية تتطلع إلى تأمين طرق تجارتها مع الهند ومع مستعمراتها في الشرق، وتتطلع إلى التحكّم في عقدة المواصلات العالمية ولدتْ فكرة توطين اليهود في فلسطين، مستغلة واقع الانغلاق الذي تعيشه العناصر اليهودية وتمسّكها بتراثها الديني الأسطوري الذي يتحدّث عن أرض الميعاد وصهيون وهيكل الرّب. لهذا ولأنّ الدول الأوروبية عموماً وبريطانيا خصوصاً كانت تطمع في استعمار الوطن العربي وتمزيقه واستغلال خيراته، بدأت تظهر في هذه الدول دعوات لإعادة اليهود إلى فلسطين تحت شعار ديني تراثي، ليكونوا حاجزاً بشرياً يربط آسيا بإفريقيا ويربطهما معاً بالبحر المتوسط فتشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوةٍ لسكان المنطقة. وفي هذا يقول الوزير البريطاني (آيمري) في مذكراته: "نحن نرى من وجهة النظر البريطانية الخالصة، أنّ إقامة شعب يهودي ناجح في فلسطين سيدين بوجوده وفرصته في التطوير إلى السياسة البريطانية. كما أنّه سبب ثمين لضمان الدفاع عن قناة السّويس من الشمال.".(1)
كانت أولى دعوات إعادة اليهود إلى فلسطين، دعوة المحامي الإنكليزي الشهير هنري فنش(1621) وذلك في مؤلفّه (العودة العالمية الكبرى) أو دعوة إلى اليهود. وبعد ذلك بحوالي ثلاثين عاماً عمل (كرومويل) على التقّرب من اليهود بهدف استخدامهم لمشروع استيطان فلسطين. فكان أن سمح بعودتهم إلى الجزر البريطانية سنة 1655بعد أن كانوا قد طردوا منها قبل أكثر من ثلاثة قرون /1290/ لينافس الدول التجارية الأخرى التي تضمّ كل منها جماعة يهودية ثرّية لها دور بارز في توسيع التجارة الخارجية لتلك الدول."(2)
خلال حملته على مصر وسورية نيسان 1799 أصدر نابليون بونابرت إعلاناً دعا فيه جميع يهود آسيا وأفريقيا للانضواء تحت لوائه من أجل إعادة تأسيس أورشليم القديمة. في تلك الفترة وحتى منتصف القرن التاسع عشر ظهر الاهتمام الفرنسي بمشروع توطين اليهود في فلسطين لتوظيفهم لصالح مخطّطاتهم التوسعية الاستعمارية في المشرق العربي. وكان الممثل الرئيسي لهذا المشروع (أرنست لاران) السكرتير الخاص لنابليون الثالث. حيث وضع سنة 1860 كتاباً بعنوان (المسألة الشرقية وإحياء القومية اليهودية) أبرز فيه المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها الدول الأوروبية في حال إعادة اليهود إلى فلسطين، داعياً أوروبا كلّها لانتزاع فلسطين من الإمبراطورية العثمانية ومنحها لليهود.. ويشير المؤرخ الصهيوني "ناحوم سوكولوف" إلى أنّ الحكومة الفرنسية نشرت رسالة بدون توقيع تحت عنوان "رسالة يهودي إلى إخوته" ظهرت مطبوعة في فرنسا وإنكلترا تتضّمن خطّطاً لبعث اليهود كأمّة. وقد تحدّثت هذه الرسالة عن حدود للدولة اليهوديّة المقترحة بعبارات تجارية أكثر منها توراتية."(3)
إثر سيطرة محمد علي باشا على سورية أخذت فكرة توطين اليهود في فلسطين طابعاً عملياً متزايداُ من قبل بريطانيا. وقد قام اللورد "شافتسبري"السياسي البريطاني الكبير بتقديم مشروعه لاستيطان اليهود في فلسطين تحت الحماية الأوروبية إلى اللورد "بالمرستون" وزير الخارجية البريطانية . وتابع تقديم مشاريعه وطروحاته بهذا الخصوص حتى تمّ تعيين قنصل بريطاني في القدس. ثم كتب عام 1876 دراسة توّضح أهمية استيطان فلسطين والدور الذي يمكن أن يلعبه اليهود في التجارة العالمية. مؤكداً على ضرورة تنمية القومية اليهودية واستخدامها كقوّة تحويلية في تلك البلاد القديمة."(4)
ثم أشار اللورد شافتسبري أنّ قومية اليهود موجودة وقد كانت موجودة لمدة /3000/ ثلاثة آلاف عام ولكن الإطار الخارجي وهو الرابطة المتوّجة له لا زالت ناقصة. وأكدّ أنّ الأمّة بحاجة إلى بلاد، الأرض القديمة، والشعب القديم، وهذا ليس تجربة اصطناعية إنّها حقيقة، إنّها التاريخ."(5)
عام 1845 وضع الكولونيل "جورج غاولر" حاكم أستراليا الجنوبية مشروعاً لاستعمار فلسطين مشيراً إلى مصالح بريطانيا في الصهيونية حيث يقول : "لقد وضع القدر سوريا ومصر في طريق بريطانيا إلى أهم مناطق تجارتها مع البلدان المستعمرة "الهند والصين والأرخبيل الهندي وأستراليا" وقدّر لبريطانيا أن تمارس نشاطاً كبيراً في تهيئة الظروف الملائمة في هاتين المقاطعتين. ويتعين على بريطانية أن تجدّد سورية بواسطة الشعب الوحيد القادر على تنفيذ هذه الرسالة والذي يمكن استخدام طاقته دوماً وبصورة فعّالة، أعني أبناء هذه الأراضي الحقيقيين، بني إسرائيل."(6)
مع بدايات العقد الخامس من القرن التاسع عشر تحوّلت الدعوة إلى توطين اليهود في فلسطين إلى سياسة رسمية يجري البحث عن وسائل تنفيذها، كما روجت الصحافة البريطانية في تلك الفترة لهذه الدعوة فظهرت مقالات عديدة في صحيفة "التايمز" وصحيفة "جلوب" تحثُّ على تنفيذ مشروع توطين اليهود في فلسطين ثمّ نشطت في تلك الفترة الإرساليات والجمعيات البريطانية العاملة لتحقيق هذا الغرض فتأسّس في لندن صندوق (اكتشاف فلسطين) بهدف تمويل دراسات وأبحاث عن فلسطين كما قام السير "جين هنري دونانت" مؤسس الصليب الأحمر الدولي بتأسيس (جمعية استعمار فلسطين) ولعب "دونانت" دوراً أساسياً في تأسيس وتمويل جمعية (أحباء صهيون) التي نشطت بين يهود أوروبا الشرقية ونظّمت منهم أول هجرة صهيونية إلى فلسطين عام 1881.(7)
عام1870 تأسّست أيضاً في بريطانيا جمعية (الآثار التوراتية) وكان من أهدافها "البحث عن الآثار والتسلسل الزمني والتاريخ القديم والحديث لبلاد آشور والجزيرة العربية ومصر وفلسطين" وغيرها من المناطق التوراتية كما تراها.
ثم تأسست جمعيات أخرى في فرنسا وألمانيا مثل (المدرسة الفرنسية للدراسات التوراتية والأثرية) التي تأسست في فرنسا 1890. أمّا في ألمانيا فكانت (الجمعية الألمانية للدراسات الشرقية) التي تأسست في سنة 1897 وأيضاً (الجمعية الألمانية للأبحاث الفلسطينية) التي تأسّست في سنة 1877. وغيرها من الجمعيات الأخرى التي كان هدفها بشكل عام بعث التوجه اليهودي نحو فلسطين ودفعهم عمليّاً باتجاه استيطانها. (
حتى العقد الثامن من القرن التاسع عشر لم يكن ثمّة تنظيمات يهودية ذات طابع صهيوني والتنظيمات السّابقة على ذلك كانت ذات منشأ ودعم حكومي فرنسي، بريطاني، ألماني. وغير يهودية في أغلب الأحيان. نظراً لأنّ اليهود أحجموا عن الاستيطان في فلسطين وامتنعوا عن الهجرة إليها. فقد كان سيرهم نحو اندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها يخطو خطوات سريعة. والمهاجرون منهم كانوا يفضّلون الولايات المتحدة على الرغم من أنّ فلسطين كانتْ مفتوحة أمامهم، فكانت أمريكا بالنسبة إليهم هي أرض الميعاد. لهذا كانت المذابح المنّظمة والشّاملة ضدّ اليهود ضرورية لقطع الطريق عليهم وتحويل هجرتهم إلى فلسطين. مذابح 1881 في أرجاء الإمبراطورية الرّوسية لدفع اليهود إلى الانخراط في صفوف الصهيونية. وبدأت الجمعيات الصهيونية منذ ذلك التاريخ تتشكّل بين أوساط اليهود في المدن الرّوسية المختلفة وتحديداً بين الفقراء والمعوزين والمضّطرين والمضطهدين الذين يبحثون عن مكانٍ يهاجرون إليه هرباً من معاناتهم وهو ما أشار إليه "تيودور هرتزل" في كتابه المشهور (الدولة اليهودية): "سيذهب أولاً أولئك الذين في حالة يأس ومن ثمّ يتبعهم الفقراء.".(9)
على الرغم من هذه المحاولات الصهيونية المكثفّة فقد فضّل هؤلاء اليهود في روسيا وشرق أوروبا الهجرة إلى الولايات المتحدة بدلاً من فلسطين حيث وصل منهم ثلاثة ملايين يهودي إلى الولايات المتحدة. والذين فرضْت عليهم الهجرة إلى فلسطين وقد بلغ عددهم مع بداية الحرب العالمية الأولى )85(خمسة وثمانون ألفاً في فلسطين هاجروا ثانية إلى الولايات المتحدة تاركين وراءهم كل مزاعم الصهيونية."(10)
وفيما بين عامي 1919-1923 لم يأت إلى فلسطين سوى (35) ألف يهودي من أصل مليون وأربعمائة ألف يهودي روسي.و بين عامي 1924-1931وصل إلى فلسطين (82) ألف يهودي من بولونيا التي كانت تجتاز أزمة حادّة في تلك الفترة وتطّبق على اليهود قيوداً كثيرة. وفي الأساس كانت الولايات المتحدة وجهةُ هؤلاء إلاّ أنّ تلك الدولة أصدرت في تلك الفترة تشريعات وضعتْ حدّاً لقدوم المزيد من المهاجرين من شرق أوروبا. مّما أغلق الباب في وجوههم وأرغمهم على التوجه إلى فلسطين.(11)
لقد شاركتْ الصهيونية مشاركة فعّالة في تدبير المؤامرات ضدّ اليهود لدفعهم إلى الهجرة نحو فلسطين، وخير مثال على ذلك اليهود العرب الذين تمّ تهجيرهم بمؤامرة صهيونية اشترك فيها بعض الحكام العرب، كيهود المغرب والعراق واليمن مع الإشارة إلى أنّ هؤلاء حين كان الخيار متروكاً لهم اختاروا طريقاً غير فلسطين، كما حدث ليهود الجزائر، فقد كان عددهم (130) ألفاً، هاجر منهم إلى فرنسا (125) ألفاً ولم يذهب إلى الكيان الصهيوني سوى خمسة آلاف فقط.(12)
في الواقع لم تظهر النزعات الصهيونية العملية بين اليهود أنفسهم إلاّ أواخر القرن التاسع عشر، أي بعد قرنين ونصف من المحاولات الغربية الاستعمارية المستمّرة والتي شارك فيها بعض الأثرياء اليهود من ذوي المصلحة في تسييس اليهود وصهينتهم من أمثال مونتغيوري، وهيرش، وروتشليد وغيرهم.(13)
من المفيد الإشارة أيضاً إلى أنّ الدول الأوروبية الغربية إضافة لرغبتها في خلق كيان مفتعل في فلسطين يكون اليهود مادته الرئيسية، كانت تسعى لإفراغ أوروبا الغربية من اليهود، وتحديداً يهود الشرق الذين بدأوا يهاجرون من شرق أوروبا إلى غربها.
لقد ساءَ يهود الغرب شبه المندمجين بمجتمعاتهم رؤية هذه الجحافل المهاجرة بلحاها الطويلة وأرديتها الغريبة وعاداتها المتخلفة ولغتها اليديشّية وكان لا بدّ من العمل على وضع حدّ يضمن لهم الاستفادة من هذه الجحافل بعيداً عن أوروبا الغربية. فيهود شرق أوروبا كانوا مؤهلين لتقّبل أفكار الدولة اليهودية وأرض الميعاد والأماكن المقدّسة أكثر من الغربيين وكانوا أكثر معاناة منهم أيضاً فاستغلت الدول الغربية هذه الظروف ووجدت في هذه الكتل البشرية جيشاً مؤهلاً ليكون قاعدة في الشرق هذا من جهة، ومن جهة ثانية، رأت ضرورة التخلّص من هذه العناصر المتخلفة من هذه العناصر المختلّفة والفقيرة وإبعادها عن أيّة مشاريع اندماجية، خاصّة وأنّ يهود الغرب قد خطوا خطوات سريعة في طريق الاندماج، وباتت أفكار التخلّي عن القوقعة والانعزال قاب قوسين أو أدنى. فمنذ أوائل القرن الثامن عشر وحتى أوائل القرن التاسع عشر أخذ وضع اليهود في معظم أوروبا الغربية بالتحسّن والاستقرار حيث بدأت كثير من الدول الغربية تصدر التشريعات المختلفة التي أدّت إلى عتق اليهود ومساواتهم بسائر المواطنين، ثم شهدت هذه المرحلة بدايات حركة استنارة بين اليهود كانت تهدف إلى دمجهم في مجتمعاتهم عن طريق تخلّيهم عن رؤيتهم الغيتوّية الضيّقة.(14)
من الواضح أنّ الحركة الصهيونية جاءتْ كثمرة من ثمار الفكر الاستعماري الغربي وتعبيراً عن حاجة من حاجاته. فقد أرادت الإمبريالية تجمعاً بشرّياً يشكّل حاجزاً وجيشاً تستخدمه في استراتيجيتها تجاه الوطن العربي، وكانت الصهيونية جهازها العملي والموضوعي، وكان اليهود هم الأدوات العاملة لهذا المشروع. وقبل ظهور المفكرين الصهاينة اليهود كانت الصياغات الأساسية لمشروع الاستيطان والتهجير جاهزة تماماً.(15)
فخلال هذا العمل المتواصل من قبل القادة الأوروبيين الغربيين تمكنّوا من استقطاب عددٍ من اليهود الأثرياء المستفيدين من حركة الاستيطان والتوسع وهؤلاء أخذوا يتّبنون المقولات والممارسات التوسعّية الأوروبية وبلورتها في اتجاه برنامج عمل شامل لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والأصح لإقامة قاعدة متقدّمة للغرب الإمبريالي الاستعماري تمزّق وحدة العرب والإسلام. وهكذا انتقلت الفكرة من التربة الأوروبية غير اليهودية صهيونية الأغيار إلى التربة اليهودية. وأخذ هؤلاء المنتفعون من المشروع الصهيوني في تحريك مشاعر اليهود وحثّهم على العمل من أجل العودة إلى فلسطين بالترّغيب والترّهيب منذ أوائل الثمانينات من القرن التاسع عشر حيث تأسّست حركة أحباء صهيون في روسيا وبولونيا ورومانيا من أجل تمويل تهجير اليهود إلى فلسطين ومساعدة الذين هاجروا منهم على الاستيطان هناك، ثم امتدتْ إلى أوروبا الغربية وخاصة بريطانية. (16)
الصهيونية اليهودّية
خلال التحرك الصهيوني الغربي المكثّف للاستفادة من اليهود في تحقيق الأهداف التوسعية والاستغلالية لعب الأثرياء اليهود المستفيدين والمتأثرين بالأفكار الاستعمارية الأوروبية دوراً هاماً في التحضير لبلورة الحركة الصهيونية، ونقلها من مجرد أفكار وطروحات إلى حركة منظمة سياسية يقودها الأثرياء والحاخامون اليهود، المتشبعون بالأفكار التوسعية والنفعيّة، وهذا ما كان صهاينة الغرب يرغبون به.
كان هناك روادّ يهود بحثوا قضية العودة وتحدّثوا عن الدولة اليهودية ودعوا إلى إحياء (أرض إسرائيل). وهؤلاء الرّواد كانوا متأثرين بالأفكار الاستعمارية، ومصلحتهم تقتضي العمل على الاستفادة من العناصر اليهودية المنتشرة في أكثر بلدان العالم، وتحديداً يهود شرق أوروبا الذين كانوا في وضع اقتصادي سيئ. حيث كانوا يتعرضون لعمليات الاضطهاد السياسي والتضييق الاقتصادي.
يُعتبر البريطاني اليهودي الثّري (موسى مونتغيوري) أول من أبدى اهتماماً ملموساً في فلسطين، حيث زارها سبع مرات في الفترة ما بين 1827-1875و قدّم مساعدات مالية، وبنى مدارس وعيادات واستأجر أراضيٍ زراعية ليعمل فيها اليهود، وبنى مساكن شعبية سنة 1859 خارج أسوار مدينة القدس. وبحلول سنة 1892 أنشأ أيضاً /8/ ضواحي أخرى. (17)
وأنشأ الأثرياء اليهود الفرنسيون سنة 1860 (الاتحاد اليهودي العالمي) الذي ساهم في مجال الاستعمار الزراعي، حيث أسّس سنة 1870 أوّل مدرسة زراعية يهوّدية في فلسطين باسم (مكفيه يسرائيل) أي (رجاء إسرائيل). وذلك على مساحة قدرها (2600دونم) تابعة لقرية (يازور). بالقرب من يافا، وقام بتمويل المشروع البارون "روتشليد" والبارون "هيرش"(18)
وكان من أوائل اليهود الذين نادوا بإقامة دولة يهودية في فلسطين الحاخام (يهودا القلعي) 1878-1798 حيث نشر كتاباً دعا فيه اليهود إلى بذل نشاط خاص لإعادتهم إلى فلسطين وإحياء لغتهم المقدّسة. وقد اعتبر عودة اليهود الجماعية بداية الخلاص الذي وعد به جميع الأنبياء، وأشار إلى أنّ المسيح سيظهر بين المهاجرين الرّواد. (19)
وأصدر اليهودي الصهيوني (تشفي هيرش كاليشر) 1795-1874كتاباً بعنوان: "البحث عن صهيون " بالعبرية سنة 1862. أكدّ فيه أنّ الخلاص لا يحتاج إلى مجيء المسيح، ودعا إلى عقد مؤتمر للأثرياء اليهود بهدف تأسيس جمعية لاستيطان "أرض إسرائيل"، تقوم بعملية تمويل الاستيطان اليهودي لفلسطين. ودعا الفقراء اليهود للمبادرة إلى استيطان فلسطين، وقد ساهم كاليشر في تأسيس جمعية استيطانية يهودية في فرانكفورت وأُخرى في برلين 1864جمعية (استعمار أرض "إسرائيل").(20)
كما أصدر اليهودي (موسى هس) سنة 1862 كتاباً باللغة الألمانية أسماه "بعث إسرائيل" دعا فيه إلى قومية يهودية لتحرير القدس وعودة اليهود إلى وطنهم القديم، وإقامة المستوطنات في فلسطين تمهيداً لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين تحت الحماية الفرنسية. وفي هذا يقول: "إنّ الأمم المسيحية لن تعارض إطلاقاً إنشاء وطن لليهود في فلسطين ، طالما أنّ ذلك يضمن لها التخلص من شعب غريبٍ شاذ يسبب لها المشاكل الكثيرة. إنّ من مصلحة فرنسا أن يستوطن الطريق التجاري المؤدي إلى الهند والصين شعب موال تماماً لمصالحها الاقتصادية والحضارية، وستكون فرنسا صديقتنا المخلصة التي ستعيد لشعبنا مكانته في تاريخ العالم". (21)
ثم صدر كتاب لليهودي الصهيوني (ليوبنسكر) سنة 1882 بعنوان "التحرر الذاتي" دعا فيه إلى إقامة الأدوات التنفيذية المباشرة لبناء الوطن القومي لليهود . مع الإشارة إلى أنّ ليوبنسكر كان في بداية حياته من أنصار الاندماج في المجتمعات الأوروبية. ولكن بعد زيارة قام بها إلى لندن تنّكر لفكرة الاندماج تلبية لرغبة البرجوازية اليهودية في دول أوروبا الغربية، وقد انتخب لبنسكر سنة 1884 رئيساً لحركة "أحباء صهيون".(22)
ومن بين الرّواد الأوائل أيضاً اليهودي (بيريز سمولينسكين) 1843-1885 الذي كرّس جهده للدعوة إلى بعث القومية اليهودية، فكتب مقالات متعددة تشير إلى ضرورة عودة اليهود إلى وطنهم القديم وحلّ المسألة اليهودية، داعياً إلى بعث القومية اليهودية في أرض الشتات بإقامة منظّمة يهودية عالمية وتوسيع قاعدة الثقافية اليهودية للأبناء على أمل الخلاص لليهود. واعتبر بيريز دعوة الاندماج انحرافاً وخيانة للتراث اليهودي، مؤكداً علىأنّه بدون العبرية لا وجود للتوراة وبدون التوراة لا وجود لشعب "إسرائيل"، ولقد انضمّ إلى حركة أحباء صهيون.(23)
وظهر أيضاً في هذه المرحلة اليهودي "موشيه ليلينلوم" 1843-1910، الذي دعا إلى هجرة اليهود الروّس إلى فلسطين لإقامة المستوطنات فيها تمهيداً لإقامة دولة يهودية. وفي عام 1884. جمع مقالاته وأعاد طباعتها ونشرها في كرّاس دعا فيه إلى بعث الشعب اليهودي في أرض أجداده المقدّسة، وقد انضّم إلى حركة أحباء صهيون وأصبح عضواً في لجنتها التنفيذية ونشط في دعم وتطوير مستوطناتها في فلسطين.(24)
كما كان من هؤلاء الرّواد "أليعازر بن يهودا" 1858-1922 وهو يهودي روسي تبنىّ الحل ّ القومي للمسألة اليهودية بإعلانه أنّ اليهود ظلّوا يشكّلون وحدة قومية متكاملة بفضل ديانتهم وعزلتهم ، ودعا إلى إنشاء جمعية استيطان يهودية لشراء أرض فلسطين لتوطين اليهود فيها. (25)
نتيجة لهذا النشاط الفعّال الذي مارسه هؤلاء الرّواد اليهود من خلال كتاباتهم الكثيرة وجولاتهم المستمرة التي تستهدف الحثّ على العودة إلى فلسطين والتمّسك بالعزلة ، وضرورة بعث القومية اليهودية، ظهر عدد من المفكرين اليهود الجدد، رفدوا التّيار الأقدم ونشطوا في إبراز الجوانب النفعية لمشروع العودة والاستيطان، وقد أخذوا على عاتقهم مهّمة السعي المستمر لزرع الأفكار الصهيونية في عقول العناصر اليهودية ودفعها إلى الانخراط في الحركة الصهيونية السياسية التي عقدتْ مؤتمرها الأول سنة 1897في مدينة بازل بسويسرا. فكان (آحاد هاعام) 1856-1927من أبرز هؤلاء الجدد، وهو يهودي روسي ومن أهم مفكرّي الصهيونية الثقافية الروحية، وقد دعا اليهود أن يعودوا إلى طبيعتهم السابقة . وإنجاز هذا الهدف بعودة اليهود مرّة أخرى كشعب عضوي باعتبار أنّهم كانوا كذلك عبر تاريخهم ويؤكد آحاد هاعام أنّ العقيدة اليهودية هي التي خلقتْ الإطار الفكري والرمزي الذي جعل بوسع اليهود أن يحتفظوا بوحدتهم العضوية وتماسكهم الإثني عبر القرون. ويرى أن اليهودية دين يؤكد أهمية العقل والجماعة، والدين عنده ليس سوى شكل من أشكال التعبير عن الرّوح القومية الأزلية.
وقد اقترح آحاد هاعام إنشاء مركز ثقافي في فلسطين تستطيع الهّوية اليهودية أن تنمو وتستمر من خلاله، وسيصبح هذا المركز بمرور الزّمن مركزاً للأمّة تستطيع روحها أن تظهر فيه، وتتطور من خلاله لتصل إلى أعلى درجات الكمال التي بوسعها الوصول إليها ، وستشّع من هذا المركز الرّوح القومية اليهودية العضوية على أعضاء الأقليات في العالم، فتبعث فيهم حياة جديدة تقوّي وعيهم القومي وتوطّد أواصر الوحدة بينهم." (26)
كما صاغ آحاد هاعام دعوته الصهيونية في مقالته "طريق الحياة" التي استعرض فيها ظروف اليهود في العصر الحديث، واستخلص منها أنّ الموت والاندثار أصبحا يهدّدان الشعب اليهودي بالذوبان التام في المجتمع المعاصر، وبمحاذاة هذا الطريق هناك طريق ثانٍ هو طريق الحياة الذي يضمن لليهود البقاء عبر بناء بيت جديد في أرضهم القديمة تركّز فيه كل الطاقات الرّوحية والمادّية لإعادة بعث هذا الشعب." (27)
أمّا المؤسّس الحقيقي للصهيونية اليهودية السياسية فهو (تيودور هرتزل) 1860-1904، الذي كان منهجه يكمن في توظيف اليهود لحلّ مشاكل الغرب والنظر إلى المسألة اليهودية كمشكلة سياسية دولية غربية تجتمع كل الأمم المتحضّرة أي الغربية لمناقشتها وإيجاد حلّ لها، والحلّ هو ببساطة "الخروج" كالخروج من مصر. لكن هذه المرّة سيتّم بمراقبة الرأي العام الغربي وبمعاونة صادقة من الحكومات المعنّية."(28)
لقد دعا هرتزل إلى هجرة يهودية علنية بمساعدة دولة أوروبية كبرى معتمداً على فقراء اليهود الذين يشكلّون قوة عاملة رخيصة، مشجعاً البرجوازية اليهودية على الهجرة ، لأنّها ستجد في الوطن الجديد مجالاً لممارسة حرّيتها بعيدة عن منافسة البرجوازية الأوروبية."(29)
ويعتبر كتاب هرتزل "دولة اليهود" الذي صدر سنة 1896 ذا أثرٍ كبير في تشكّل الحركة الصهيونية الحديثة وتطورها وقبل أن ينشر كتابه قام بنشاط فعّال التقى خلاله شخصيات يهودية ثريّة بحث معها مشروع الدولة اليهودية ، مثل المليونير الشهير (البارون هيرش) كما التقى مع عدد من القادة البريطانيين الصهيونيين في لندن سنة 1895، منهم (صموئيل منونتامو) الثري اليهودي والنائب في مجلس العموم عن حزب الأحرار، ودوّن إثر لقائه معه بعض الأفكار المتعلّقة بفلسطين الكبرى بدل القديمة. وحاول مراراً الاتصال بالسلطان العثماني لحثّه على منح اليهود فلسطين وفي هذا قال: "إذا منحنا جلالة السلطان العثماني فلسطين يمكننا بالمقابل تنظيم مالية تركيا بأكملها، وسنشكّل هناك جزءاً من متراس أوروبا باتجاه آسيا وقاعدة أمامية للمدنية ضدّ البربرية. وسنظل كدولة محايدة على اتصال مع أوروبا كلّها التي يتعيّن عليها أن تضمن وجودنا." (30)
لقد قاد هرتزل المنظمة الصهيونية باتجاه نوعين رئيسيين من النشاط "بناء المؤسسات الصهيونية المختلفة الضرورية لوضع الأفكار الصهيونية التوسعية موضع الممارسة" و"إجراء الاتصالات مع كبار المسؤولين في الإمبراطوريات القائمة بهدف الحصول من إحداها على الدعم الكامل لمشروع استعمار واستيطان فلسطين وإقامة الدولة اليهودية ."31)(
نتيجة لهذه الجهود المكثفّة التي قام بها هرتزل، تمّ عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا سنة 1897. وقد حدّد المؤتمر هدف الصهيونية الأساسي وهو: "إقامة وطن لليهود في (أرض إسرائيل) معترفاً به وفقاً للقانون العام وذلك عن طريق إجراءات أولها "تطوير أرض (إسرائيل) بشكل منظّم بواسطة توطينها باليهود المزارعين والحرفيين والمهنيين." كما قرّر المؤتمر إنشاء المنظمة الصهيونية العالمية، وأقرّ لوائحها التنظيمية وانتخب هرتزل رئيساً لها وللجنتها التنفيذية .(32)
لقد انخرط في الحركة الصهيونية تيارات صهيونية متعدّدة ، دون أنّ يكون لهذا التعدّد أيّ تأثير على الأهداف الجوهرية المتمثلّة بإنشاء الدولة اليهودية، العميلة الموالية للغرب. فكلّها كانت تسعى لحلّ المسألة اليهودية ولو على حساب اليهود أنفسهم، وجميعها كانت استجابة للممارسات الاستعمارية الغربية، وكان التّيار الديني أشدّ التّيارات رغبة في تغليف الأطماع التوسعية بالنّصوص التوراتية والتفسيرات المعطاة لهذه النصوص. وقد عبرّ عن وجهة نظر التّيار الديني داخل الحركة الصهيونية الحاخام (صموئيل هليل إيزاكس) 1825-1917الذي كتب عن الحدود الصحيحة للأرض المقدّسة، وعن وجود دلائل تبشّرُ باقتراب رجوع جزئي لليهود إلى الأرض المقدّسة في مستقبل قريب منها: "نشوء الحكم الدستوري -الاهتمام المتزايد بالأرض المقدّسة- ازدياد خطورة المسألة اليهودية -تعاظم الحركة الصهيونية". أمّا أرض الميعاد فيحدّدها بالاعتماد على سفر العدد الإصحاح الرابع والعشرون -الآيات من /1-12/ باعتبار تلك الحدود منحة أعطاها الرّبّ ميراثاً لليهود. (33)
وكانت هناك تيارات واتجاهات تدعو إلى التركيز على فلسطين الكبرى أو فلسطين والبلدان المجاورة. وكان يمثلّ هذا التّيار (ديفيز تريتش) 1870-1935 الذي عالج هذا الموضوع مع هرتزل، ليُصار إلى تضمين برنامج بازل عبارة فلسطين الكبرى، أو فلسطين والبلدان المجاورة لها."(34)
كما ظهرت تيارات أخرى متعددة منها التّيار الإقليمي الذي كان يتزعمّه (إسرائيل زانغويل) 1864-1929 وكانت أهدافه استيطانية استعمارية شأنه شأن كلّ التّيارات الصهيونية.(35)
واعتباراً من المؤتمر الصهيوني الثامن 1907 تبلور نوع من الفكر الهجين الصهيوني يجمع بين التّيارات المختلفة لخدمة المشروع الصهيوني حيث أطلق شعار (الصهيونية المركّبة) الذي أطلقه (حاييم وايزمن) الذي تزّعم المنظمة الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى وأقام حلفاً مع بريطانيا لإقامة ما اعتبره (ونستون تشرشل) دولة عازلة من النمط الأوروبي في فلسطين من أجل الحفاظ على الوجود البريطاني في الشرق الأوسط عامة ومنطقة قناة السوّيس خاصّة.(36)
ICE- عضو مشارك
- عدد الرسائل : 92
العمر : 104
الموقع : السعوديه
تاريخ التسجيل : 21/02/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى